Description:
يعالج المؤلّف الإيطالي في كتابه إشكالية سياسية جوهرية، إذ يبين أن مفهوم الفكر الجمهوري، يتعارض في المقام الأول، مع التسلّط السياسي الذي لا كابح ولا نظام له ومع كل من يمارسه، ذلك أن الفكر الجمهوري يتعارض أيضاً مع السُّلطوية، التي تتمثل في هيمنة شخص واحد أو مجموعة أو أكثرية تبغي فرض مصلحتها فوق المصلحة العامة.
يتتبّع الكتاب المسارات الأساسية من تاريخ نشأة مدرسة الفكر الجمهوري، ليتناول بالشرح في موضع لاحق معنى الحرية السياسية، ثم يناقش في ما بعد التفسير الجمهوري للفضيلة المدنية، ليثبت أن تلك الفضيلة ليست مقصورة على الأبطال والقدّيسين، ولكنها فضيلة متاحة للمواطنين في الزمن الراهن كافة ، تليها مناقشة في الفصول الأخيرة لمسألة كيف أن الجمهورية الحقيقية لا غنى لها عن "الوطنية الجمهورية"، التي تمثل الشعور الوحيد القادر على جعل أفراد تربوا في ظروف ثقافية ودينية وعرقية مختلفة يعملون معاً ونصب أعينهم المصلحة العامة.
إذ ليست النظم الدستورية، ولا حتى أفضل القوانين، كافية وحدها للدفاع عن الدول من التهديد الخارجي ومن السلطوية ومن الفساد، إن لم يكن مواطنوها يتمتعون بتلك الحكمة الخاصة التي يستطيعون، من خلالها، أن يدركوا أن مصالحهم الشخصية لا تنفصل عن المصلحة العامة، وبتلك الروح الكريمة وبالطموح الصحيح اللذَين يدفعان المواطنين دفعاً للمشاركة في الحياة العامة، علاوة على تمتعهم بالقوة الداخلية التي تمنحهم الإصرار على مقاومة المعتدين والمتغطرسين الراغبين في قمع الآخرين، ولا تمثل تلك الحكمة الخاصة، والطموح الصحيح، والروح الكريمة، سوى مظاهر متعددة لتلك الفضيلة التي اعتاد المفكرون السياسيون أن يطلقوا عليها "الفضيلة المدنية".
يخلص المفكّر ماورِيتسيو فيرولي، في مؤلّفه، إلى أن الخطر الأكبر الذي يتهدّد الحرية العامة يكمن في الفساد السياسي، الذي يجعل من المواطنين غير قادرين على التحلي بالحكمة التي تمكّنهم من الحكم بدقة على الأفراد وعلى الأشياء، ويجعلهم لا يستطيعون التمييز بين الفضيلة والرذيلة، وينزع منهم القوة الأخلاقية اللازمة لمقاومة الاضطهاد ولمحاربة الظلم، ويدفعهم للخنوع والتملّق.