يشكِّل هذا الكتاب حالة متميّزة بين الدِّراسات الجديدة عن شعر المتنبّي، كما أنّ اختيار الباحث ظاهرة الصِّراع وتأثيرها في شعر المتنبّي، دلالة على العبور من متاهات الدِّراسات الكثيرة عن شعر أبي الطيّب للوصول إلى نصٍّ جديد في رؤيته النقديّة التي تتكئ على النصّ الشِّعريّ، وتكشف لنا دقّة مقولة الباحث بأنّ قراءة نصّ المتنبي ما تزال ممكنة ومشروعة على كثرة ما تناولته من أنظارٍ ودراسات.

ومن الإشارات المهمة حول هذه الدِّراسة أنّ الباحث سعى إلى تخفيف نصّ المتنبّي من فائض "المحمول الأيديولوجي" ممّا جعل الشّعريّة واضحة في الحديث النقديّ حول الصِّراع، وهذا هو ما نجح فيه الباحث وأعطى دراسته كلّها موقعًا خاصًّا بين الدِّراسات النقديّة الحديثة عن شعر المتنبّي، وكلّما نأى عن سيرته توغّل في قصائده، فكسب النقد، ولم يخسر القارئ سيرة أبي الطيّب؛ لأنّ الانشغال به منذ ألف عام يزيد على الدِّراسات النقديّة لنصوصه، وكأنّ الذي "ملأ الدُّنيا وشغل الناس" هو أبو الطيّب وليس شعره.

وبين المأساة وصراع الواقع والمثال، وصراع المثقف والسُّلطة تمتدّ الدِّراسة، وعند الزّمن والمكان تأخذ الدِّراسة عمقًا جديدًا لا يمكن التعبير عنه في مقدِّمة عابرة، بل لا بدّ من حضور المتلقّي الواعي بشعر أبي الطيّب ليقرأ الدِّراسة بحضور صاحبها.